
قرأت في جرائد الثلاثاء أخباراً أقلقتني عن الإجراءات المالية الجديدة التي تنوي الحكومة الموقرة اتخاذها لزيادة رواتب بعض القطاعات الحكومية، التي لم تنلها الزيادات التي أُقرّتْ، أخيراً، وما أحسب أن الكثير من القراء أعاروا اهتماماً لرسالة كنت نشرتها في القبس، أيضاً، قبل شهور وجّهْتُها إلى معالي وزير المالية يومئذ، الذي اتفق أن يكون هو نفسه وزير المالية الحالي، ومن فضول القول أن أضيف أن صيحتي الأولى ذهبت هباء، وأن المقالة كانت مما حملته عواصف «الطوز»، فاستقر بها المطاف في شوارع المدينة لتلوث البيئة، وتزعج العباد! وتسلّم الموظفون زياداتهم، وبدأت دوامة الغلاء في الدوران، وبدأ البحث عن طلبات جديدة.
ولا أدري مدى صحة ما قرأت، أخيراً، ولست أدري ما رد الحكومة على الطلب، ولكن ما هو واضح ولا يقبل الشك أن هذا الطلب الجديد حلقة من سلسة طلبات ما فتئت تطول: زيادة الرواتب، ثم إلغاء الديون، ثم إلغاء فوائدها ثم توسيع نطاق الزيادات، وهلمّ جرا.
وأول ما تبادر إلى ذهني عند قراءتي هذه الأخبار: أعند الحكومة خبراء اقتصاديون ينصحونها بما ينبغي اتخاذه من إجراءات؟ وهل استشار هؤلاء الخبراء أحداً؟ وما كانت توصياتهم؟ وهل تدفع الحكومة رواتبهم، أم ينصحون الحكومة كما أفعل أنا الآن، لوجه الكريم تعالى؟ وإذا كانت الحكومة الجليلة قد استشارت مستشاريها، فما كانت توصياتهم؟ ولماذا أخفيت عن الشعب؟
ودارت في ذهني المرتبك أسئلة أخرى: هل طلب أحد رأي «صندوق النقد العربي»؟ وما أمْرُ الوجهاء، خبراء «صندوق النقد الدولي» الذي أقحمت الكويت فيه سنة 1962، وبقيت الوفود الكويتية تحج إليه عاماً بعد عام منذئذ؟ هل بلغ معالي وزير المالية أن من واجبات هذه المؤسسة نصح الدول الأعضاء في مواقف، كالتي تجد الكويت نفسها فيها اليوم؟
وقد أقلقتني هذه الأسئلة، وبعد أن أدرتها في ذهني ساعات وصلت إلى نتيجة زادت من قلقي على مستقبل هذه الدولة التي يفترسها أبناؤها بوحشية، لا رحمة فيها ولا هوادة، وهم غير شاعرين!
يا أيها المسؤولون لا تثقوا بما أصرخ به، استشيروا من شئتم، فسترون أن سياسة الدولة المالية قصيرة النظر، لا تحسب حساباً للمستقبل المظلم الذي ينتظر البلاد قريباً.
وأخيراً، سألت نفسي سؤالاً ما فتئت أبحث عن الجواب له: تُرى، ما السبب الذي يحمل الدولة على هذه التصرفات؟
أنا والحكومة الموقرة لا نجهل الدوافع التي تكمن وراء هذا السلوك، ولكن الحكومة – ومعها مجلس الأمة الأجل – لا تميل إلى بحث الموضوع جهاراً، وتزعم أنها تتوخى مصلحة الشعب، وأن «المصلحة العامة» هي التي تملي عليها هذه التصرفات، ولا شك عندي أن في هذا الرد بعض الحق، فقد خُلِقَ في البلد – على مضي السنين – جو عام يجبر الحكومة على تلبية رغبات الشعب مهما اشتطت، وقد بولغ في ذلك، حتى وصلنا إلى حد «الدلع»، ذلك لأن السلطة التنفيذية (أي الحكومة) إذا رفضت، انبرى مجلس الأمة الموقر لمطالبتها بتلبية هذه الرغبات. فاستشارة هذه المؤسسات، وإعلان فتاواها للشعب، حجة قوية تحتج بها السلطة – بجناحيها التنفيذي والتشريعي – لوقف هذا التيار من السرف المطلق العنان، وقد أثلج فؤادي ما يبديه معالي وزير المالية، في اللحظات الأخيرة، من مقاومة متأخرة لهذا الفيضان من الطلبات. وعلى عقلاء الأمة مؤازرته في مسعاه.
ولي دوافع جمة على التذرع بالصمت عند هذا الحد، أهمها: حب السلامة، أو الجبن، وليس بين الاثنين من فرق كبير، والله أعلم.
فخري شهاب
المصدر جريدة القبس
قم بكتابة اول تعليق